وزير السياحة والصناعة التقليدية ديدوش مختار في حوار حصري لـ "الوسط"
اتجهت الجزائر خلال السنوات الأخيرة الى بعث الصناعة السياحية في الجزائر، حيث يراد لها أن تكون جذابة وتنافسية لتنطلق في عهد جديد يختلف عما كان يشهده القطاع من ركود في الفترة السابقة. تراهن الحكومة ليكون هذا القطاع أحد الروافد الهامة في البلاد التي تساهم في خطة الإنعاش الاقتصادي ولإبراز مكانة السياحة الجزائرية في العالم.
في حوار حصري مع السيد وزير السياحة والصناعة التقليدية، مختار ديدوش، خص به يومية “الوسط”، ذكر من خلاله أهم الرهانات التي تنتظر القطاع في المرحلة القادمة. و بلغة الأرقام، اعتبر الوزير أن النتائج المحققة خلال سنة 2023 كانت ايجابية ،وذلك بفضل الجهود المبذولة من قبل السلطات العليا ،تنفيذا لتعليمات السيد رئيس الجمهورية ،عبد المجيد تبون، الذي ألح في التزاماته الـ 54 على ضرورة إعادة بعث السياحة الجزائرية لتكون وجهة سياحية عالمية بإرساء صناعة سياحية، بدءًا بإعادة تطهير وتأهيل العقار الموجه للاستثمار السياحي، مؤكدا استعداد وجاهزية دائرته الوزارية، وكل الهيئات تحت الوصاية، الى تسخير كافة الجهود للارتقاء بالقطاع الى المستوى المنشود وتسويق صورة الجزائر بما يليق بها من خلال تحسين نوعية الخدمات، مرورا بمراجعة أسعار الفنادق، وصولا الى تسهيل كل ما يتعلق بعمليات الاستثمار في القطاع السياحي .
. ما تقييمكم للحصيلة المنجزة إلى غاية اليوم؟
رغم التنافسية الشرسة الموجودة على مستوى البحر المتوسط، كوجهة أولى للسياحية في العالم، الذي يضم مجموعة من الدول الرائدة في هذا المجال ، نعتبر أن الجزائر في طريق بناء مسارها لضمان مكانتها في الخارطة السياحية العالمية، بفضل المجهودات العديدة التي قامت بها الدولة لتحفيز السياحة في الجزائر خاصة فيما يتعلق بالتسهيلات المقدمة في مجال الاستثمار.
يجدر بالذكر، أن مخطط عمل الحكومة يركز على تطوير السياحة الداخلية خصوصا الحموية مع إعادة تطهير وتأهيل العقار الموجه للاستثمار، وإعادة بعث المقصد السياحي الجزائري لتكون وجهة سياحية على مستوى العالم تجسيدا لتعليمات السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
. مؤخرا تم ابرام عدة اتفاقيات مع عديد الدول، ما أثرها على النشاط السياحي في الجزائر؟
أمضت الجزائر على عدة اتفاقيات مع عديد الدول التي عرفت تطورا في هذا المجال بهدف الاستلهام من خبرتها ومعرفتها وتجنب الوقوع في اخطاءها، لكن تبقى غايتنا الراسخة هي التموقع الدائم في سوق السياحة والأسفار وعدم التشبه بالآخرين، وكذلك التفرد بمنتوجات أصلية تعكس مصداقية بلدنا، وهدفنا هو منح الوجهة الجزائرية علامتها الخاصة ذات الطابع الإنساني والبيئي، تماشيا و أهداف التنمية المستدامة.
. هل تعتقدون أن الميزانية المخصصة للقطاع كافية للنهوض به الى المستوى المنشود؟
لقد استفاد القطاع من عدة عمليات ذات أغلفة مالية معتبرة تهدف أساسا الى ترقية وتنظيم العقار السياحي وإعادة بناء الهياكل الإدارية مثل مقرات مديريات السياحة والصناعة التقليدية والمراكز ودور الصناعة التقليدية و الحرف والموزعة على مستوى التراب الوطني، وذلك في إطار تطوير القطاع، وخصوصا مرافقة أصحاب المشاريع، أين يتجلى دور الدولة في التزامات وتعليمات رئيس الجمهورية الساعية الى تسهيل ومرافقة المستثمرين للسماح لهم بالمساهمة في خلق الثروة ومناصب عمل خصوصا للشباب.
. تتعرض المؤسسات العمومية الفندقية باستمرار لانتقادات بسبب نوعية خدماتها وارتفاع أسعارها، ما تعليقكم؟
يتمتع مجمع فندقة، سياحة وحمامات معدنية على حظيرة فندقية تمثل تقريبا 20 بالمئة من الحظيرة الفندقية الوطنية و المتكونة من أزيد من 1600 مؤسسة بطاقة 148 ألف سرير، حيث تمثل بعض المؤسسات نماذج هندسية رائعة تعرف الآن الرفع من مستواها سواء من ناحية التأهيل والعصرنة لبناياتها سيما تأهيل العمال.
هذان العاملان الأساسيان اللذان يسمحان بضمان خدمة ذات جودة مع ضمان وفاء الزبون المحلي والأجنبي. فيما يخص الأسعار فهو خاضع أساسا الى مبدأ العرض والطلب، حيث تقوم فرقنا من مفتشي السياحة بخرجات تفتيشية ومراقبة منظمة في إطار متابعة عمل المؤسسات من ناحية الأمن والنظافة، وتسهر على أن تكون الأسعار المحددة تعكس حقيقة الخدمة المعروضة، كما أن هناك عمل لفرق مشتركة بين قطاعي السياحة والتجارة تقوم بخرجات ميدانية من أجل تأطير النشاط التجاري والاعلان عن كل تجاوزات أو أسعار مرتفعة من طرف الفنادق والمؤسسات السياحية الأخرى.
. العالم يتجه نحو أساليب جديدة ومعاصرة للترويج السياحي، ماهي خطتكم لمواكبة هذا التطور؟
لقد استعادت السياحة الداخلية عافيتها في السنوات الأخيرة خصوصا بعد تفشي فيروس كورونا، الذي تسبب في ركود عالمي شبه تام مس بشكل مباشر قطاع النقل وبذلك الصناعة السياحة الدولية. والجزائر، لم تسلم هي الأخرى من هذا الوباء، وعرفت وضعية غير مسبوقة، فرضت على الجزائريين اغلاقا عاما، ونتيجة لذلك توجه المواطنين نحو استكشاف بلدهم.
في هذا الإطار، وضع قطاعنا الوزاري مجموعة من الإجراءات أهمها الأرضية الرقمية التي تجمع أكثر من ألف موقع، موزع على 400 مسار سياحي، متواجد في 58 ولاية بهدف الترويج للوجهة الداخلية واستقطاب أكبر عدد من السياح.
وللإشارة، سجلنا اهتماما كبيرا من شباب الجزائر في مجال تطوير الرقمنة، وتنظيم خرجات في مواقع طبيعية أيكولوجية، ولأجل ذلك قمنا بإطلاق مسابقة لأحسن فيديو ترويجي لأحسن المواقع السياحية في الجزائر بمناسبة اليوم الوطني للسياحة، أين تم تتويج العديد من الشباب المبدعين في هذا الميدان.
في نفس الإطار ، أطلقت دائرتنا الوزارية ، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، برنامج لفائدة الشباب والمسمى “جيل سياحة ” هدفه استقطاب الشباب الراغبين الدخول في مجال السياحة عن طريق إيجاد فرصة عمل أو تكوين أو الولوج إلى المقاولاتية.
. هل هناك مشاريع مستقبلية لإعادة بعث السياحة الحموية والدينية؟
نحن مطالبون بتطوير كل أشكال السياحة الموجودة في بلادنا والتخلص من فكرة السياحة الموسمية التي ليست لها أي مردود من الناحية الاقتصادية، لذلك لابد من تقديم عروض موجهة للعائلات الجزائرية، التي تلبي طلباتها وخصوصياتها، عن طريق قرى للسكن السياحي الخفيف موجه للعائلات وكبار السن.
كما تم اصدار منشور ما بين دائراتنا الوزارية و وزارة الداخلية و الجماعات المحلية و التهيئة العمرانية في إطار ما يعرف بـ ” صيغة لدى الساكن “، والتي شهدت توسعا في السنوات الأخيرة، سمحت للمواطنين بكراء مساكنهم في إطار احترام قواعد الأمن ، الصحة و النظافة.
وبالنسبة للسياحة الدينية، تم ابرام اتفاقية مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في إطار القيام بعمليات لفائدة أماكن العبادة والزوايا لضمان مبيت ملائم مؤقت، عند الاحتفال بمختلف الأعياد الدينية مثل” المولد النبوي الشريف” و”السبوع ” اللذان يعرفان عددا كبيرا من المريدين كل سنة خاصة الزاوية التيجانية التي تسجل سنويا آلاف من الزوار القادمين من الجزائر و من عدة دول افريقية.
. هل كان للرقمنة أثرا ملموسا على القطاع السياحي؟
لقد وضعنا، الى جانب عدة قطاعات وزارية، برنامج رقمنة يتمثل في عدة عمليات مرتبطة بوضع حلول وأرضيات رقمية لمعالجة الملفات، ونسعى في الوقت الحالي لربط كل المصالح الداخلية والخارجية عن طريق رابط مباشر ودائم حيث أن كل المعنيين مطالبين بالتدخل، كل في مجال تخصصه، فيما يخص الرد السريع لكل طلبات المواطنين ولتحديد مسؤوليات المتدخلين في هذه السلسلة الرقمية. في هذا الإطار، وعلى سبيل المثال نشير الى الأرضية الرقمية الموجهة لوكالات السياحة والأسفار، والتي تسمح للمواطنين بتحويل طلباتهم عن طريق هذه الأرضية واستقبال نتائج معالجة ملفاتهم، في آجال قصيرة.
. ما أهمية التكوين السياحي للرفع من جودة الخدمة السياحية؟
إن استراتيجية الحكومة في مجال التكوين هدفه تثمين الموارد البشرية وضمان تغطية التراب الوطني بكل حاجيات التكوين، عن طريق عروض مناسبة من خلال عصرنة آليات التكوين، وتكوين المكونين وكذلك تقوية عروض التكوين عن طريق انشاء مؤسسات جديدة ووضع فروع وتخصصات جديدة.
يتعلق كذلك بالاستثمار في تنظيم وتطوير الهندسة الإقليمية، وحاليا قطاعنا وضع تحت تصرفه عدة مؤسسات، كالمدرسة الوطنية للسياحة والفندقة ومعهدي بوسعادة وتيزي وزو، وكذلك فروعهم في ولايتي تلمسان وورقلة كما أننا نعتمد كذلك على القطاع الخاص والفنادق، بهدف التأقلم والاستهلاك السياحي الذي يعرف تطورا مستمرا خصوصا من خلال ادماج مبدأ الرقمنة في برامج التكوين.
. بالارقام٫ما الذي حققه القطاع السياحي خلال السنوات الاخيرة؟
تسجل السياحة منذ عقد من الزمن متوسط سنوي يمثل حوالي :
2.2 مليون من دخول عن طريق الحدود، حيث عرف هذا التوافد ارتفاع تصاعدي خصوصا بعد جائحة كورونا،
270 ألف عامل في الفندقة والمطاعم و المقاهي ،
2 بالمئة من الناتج المحلي خارج المحروقات،
274 مليون دولار من مداخيل السياحة من العملة الصعبة.
لكن في سنة 2023 يمكنني أن أؤكد أن التوافد السياحي تجاوز عتبة 3 ملايين سائح، حيث أن هذا الرقم لم يتم تحقيقه منذ عشرات السنين.
فيما يخص السياحة الداخلية في الموسمين الصيفيين السابقين أحصينا أكثر من 10 ملايين جزائري قضوا عطلتهم السياحية في 14 ولاية ساحلية ، منهم 20 بالمئة بالتقريب أقاموا في مؤسسات فندقية و80 بالمئة تبنوا “صيغة لدى الساكن”. إضافة إلى الاحصائيات الخاصة بالتوافد نحو الشواطئ التي أعطت ديناميكية تجارية حقيقة على مستوى الولايات الساحلية والولايات المحاذية لها والتي أحصيناها بأكثر من 200 مليار دينار.
. ماهي توقعاتكم لموسم السياحة الشتوية؟
السياحة الشتوية تعتمد أساسا على السياحة الصحراوية التي تمثل منتوجا خاصا بالجزائر كعلامة خاصة من خلال أصالتها وخصوصيتها التي تجعلها دون منافس لنا في هذا المجال، وفي هذا الصدد، وضعت استراتيجية من طرف القطاع من أجل تطوير السياحة الصحراوية والتي تتمثل في مقاربة شاملة ومتناسقة تتمثل من خلال الإجراءات الضرورية المتمثلة في:
تقوية الاستقبال وتحسين البنى القاعدية الأساسية.
تثمين الثقافة المحلية وتطوير النشاطات السياحية.
تطوير وتنويع النشاطات السياحية.
الإبقاء والتأكيد على المحافظة على البيئة والتنوع البيئي.
تحفيز تكوين و تشغيل يد عاملة محلية.
الشراكة مع المحترفين والمتعاملين الأجانب.
وضع الآليات اللازمة لتسهيل السفر.
فيما يخص ما هو جديد، تطبيقا لتعليمات السيد رئيس الجمهورية لقد تم وضع من جانفي 2023 تأشيرة تسوية أو تأشيرة عند الدخول، عن طريق شركة الخطوط الجوية الجزائرية، كما تم وضع خط جوي مباشر بين باريس وجانت. وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد من السياح الأجانب للتعريف بمقومات صحراء الجزائر الساحرة .
وفي هذا الموسم، نعتقد أن عدد الوافدين سيعرف تطورا ملفتا، خصوصا بالنسبة للسياح الأجانب حيث وضعت من أجلهم وكالات السياحة والسفر برامجا سياحية ممتعة و متنوعة في حضيرتي الطاسيلي و الأهقار عن طريق رحلات تستجيب لكل الطلبات.
ما يمكننا قوله هو أن هذا الموسم الصحراوي، والذي سيمتد الى غاية أفريل 2024، سيكون له عائدات اقتصادية ملموسة على كل الولايات وساكنة الجنوب الجزائري.
. ما رأيكم في تكاليف الرحلات السياحية الخاصة بالمناطق الصحراوية؟
الاسعار معقولة٫حيث أن تكلفة الإقامة لمدة أسبوع في صحراء الجزائر تتراوح بين 70 إلى 100 ألف دينار جزائري (بنسبة 10 آلاف دج يوميا)، بحسب مكان و الإقامة والمسافة إلى المواقع المطلوبة، وأيضا حسب النشاطات السياحية المقدمة من طرف وكالات السياحة والأسفار، مع الأخذ بعين الاعتبار العروض التي تحتوي أيضا على تذكرة السفر، الإقامة والرحلة السياحية عبر المسارات و المواقع السياحية.
غير أنه يجب التذكير أن صحراءنا فريدة من نوعها في العالم ولا تقدر بثمن، والتجربة الاستكشافية في طبيعتها تبقى خلابة ولا يمكن أن نراها في أي مكان آخر في العالم، هذا ما يعطيها علامة بارزة تنفرد بها على جميع المستويات.